احتفالات الخطوبة والزواج
مازال ذلك الموسم يجتذب في أيامنا المعاصرة جمهورا متحمسا ورائعا في الاحتفالات التي تقام حول ضريح السيد الصالح "سيدي احمد مغنى"·
وكما يحدث في الحج فإنه مشهد جميل وأخاذ وواقعي، حيث يجتمع أهالي المنطقة ويتبادلون السلع التي يحتاجونها بالشراء وأحيانا بالمقايضة· والموسم هو احتفال كبير ومناسبة متميزة لإتمام نوع من الزواج الجماعي، فقد أتت الفتيات ترتدين افخر وأجمل ملابسهن المزوقة المزركشة وقد تزين بالكحل والاصباغ الطبيعية ليجذبن الخطاب، والموسم كذلك احتفال يتضمن اغاني ورقصات وعروضا فنية من الفرق الشعبية المختلفة·
إنها ذكرى قديمة لطقوس عريقة واصيلة كانت تقام في الاحتفالات القديمة الهامة في عصر ما قبل الاسلام العربي·
يقول الشاعر الشعبي···
"ان من يحب ويتوق الى الجمال··"
يجب عليه ان يصعد هناك في الاعالي···
وسيجد زهرة جميلة كاملة، متفتحة ومزدهرة ،هناك في الأعالي يجري نهر "اسيف ملول" (النهر الابيض)، وهناك في الاعالي تقع املشيل ببيوتها ذات اللون الاميل للاصفرار· وفي تلك المنطقة المرتفعة يمتد ذلك السهل المتسع، تضربه الرياح، تحرقه الشمس، ويعمه البرد القارس، ويكاد تحجب ارضه ظهور الماشية الرمادية الشبيهة بسلسلة من التلال الفضية·
هناك يتبدل الجو من حرارة شديدة الى برودة شديدة، وتتساقط الثلوج اربعة اشهر خلال فصل الشتاء، وتبدو حينئذ المنطقة المنعدمة الاشجار ميتة تماما·
حقا ان الاضواء تغير المنظر تغييرا صارخا، وتمنح الهضبة جاذبية ساحرة، وتزخرف وتزين اشعة الشمس المنطقة بألوان متدرجة رقيقة، وتشارك الصخور المحيطة بالهضبة في حفل الالوان، وتصطف بجانب بعضها الشواطئ الطباشيرية البيضاء والصفراء، مكونة جرفا صخريا منحدرا، جرفا كبيرا شاهق الارتفاع، ويمكن ان نرى احجارا بركانية صفراء، صلصالا قرمزي اللون وصخورا متبلورة سوداء الى جانب البازلت الازرق والصخور الرملية الخشنة والتي يماثل لونها العقيق الأحمر·
وعندما تخترق اشعة الشمس السماء المظلمة الملبدة بالغيوم يتبدل منظر الجبال وتبدو في صورة ضبابية خيالية غير حقيقية، وعندئذ تبدو الطبيعة ذات قوى جبارة ساحرة، وتحتفظ صورها بخطوط توحي بالنبل والحيوية والقدرة·
وان الفلاحين والرعاة ليستطيعون تقدير الجمال المجرد البسيط، لأن البساطة هي التي توضح الفضائل التي تشتمل عليها الحياة البربرية، واذا امكنك ان تدخل عالمهم ستشعر بدفء وحميمية لا حد لهما، فالترحيب القلبي والضيافة الكريمة والسرور الدائم والاصالة الطبيعية، هذا كله يظهر ويبين مشاعر السكان العميقة ومزاجهم·
وان شعار من يعيش هناك من الاعالي في سهل آسيف ملول، شعار "آيت حديدو"، هو، الكرم والاستقامة الاخلاقية والشجاعة في الحرب، وانهم ليعيشون حياة بسيطة، زراعية ورعوية مع تفضيل رعاية الماشية، حياة نصفها رحيل ونصفها استقرار·
وينبع نهر آسيف ملول ويتدفق من قاع هذا الوادي المرتفع، ويسير النهر متعرجا شاقا طريقه بين الحقول الضيقة التي لا يمكن حرثها اطلاقا بدون سقي ومجهود كبير·
ولكل عائلة دونمات قليلة، حيث يزرعون القمح والشعر واللفت والجزر، وعلى كل حال فهؤلاء سكان الجبال الشجعان ليسوا اغنياء، لكن ما معنى ان يكون الانسان غنيا؟ فقبيلة آيت حديدو التي تعيش حياة بسيطة تعرف كيف تستغل الموارد التي تقدمها لها الطبيعة·
إن عدد أفراد قبيلة آيت حديدو يبلغ ثلاثة الاف وخمسمائة اسرة، وهم يعيشون في القرى في فصلي الخريف والشتاء، اما في الربيع والصيف فيعيش جزء من السكان في الخيام·
ويبدأ الرحيل في الصيف في شهر ابريل، وتترك القطعان حظائرها في الاودية وتصعد الى المراعي في الجبال· وتصعد اغلب عائلات آيت حديدو الى الجبال حيث تخيم هناك، فهم يريدون الاحتفال بعودة الربيع، وانه لفصل مبهج، حيث الحشائش الخضراء الطرية واللبن والزبد·
اما عند قدوم الخريف تهبط قطعان الماشية الى الوديان حيث ترعى ما تبقى من المحصول الفلاحي·
وفي شهر نونبر يعود الرعاة مرة اخرى للقرى، الى مآويهم الشتوية، ولن يغادروها مرة أخرى قبل شهر مارس·
ان ديورآيت حديدو تذكر الانسان بالخيمة، فيوجد فناء امام الدار، وتتكون الدار غالبا من طابق ارضى وأحيانا نادرة من طابقين، وتكون الحظائر والسقائف في اسفل الديور وفوقها مآوى للسكان ومخازن الحبوب·
ولقد اصبح هناك انسجام وتقارب بين آيت حديدو وماشيتهم، ولذلك لا يخشى احدهم ضربات القدر، مادام ثغاء خرافهم يوقظهم في الفجر كل يوم، ومادامت النعاج ترافقهم طوال حياتهم، تمنحهم الطعام، اللبن والزبد والجبن، ومن صوفها يصنعون ملابسهم الصوفية وخيامهم·
والاهم انها تمنحهم الثقة بالنفس والاعتبار والتقدير·
وان النعاج لرخيصة الثمن ولطيفة، وكريمة ومعطاءة، ويمكن الوثوق بها، وانها لتتحرك في هدوء وبسذاجة وبراءة، وتستحق ان يعتني بها حتى تنمو وتتناسل ويتضاعف عددها·
وتقول معتقداتهم الشعبية العريقة، "ايها الرجل من آيت حديدو، لا تنسى الفوائدوالمنافع الكثيرة التي يمنحها لك هذا المخلوق الثمين، هذا المخلوق المبارك، لأن في صوفها مزايا كثيرة، فجزة من الصوف تصبح خيطا، والخيوط تتحول الى ثوب او كساء، وانه ا غالبا بيضاء واللون الابيض هو لون الفأل الحسن، وتكمن فيها كذلك قوى سحرية مؤثرة، فإن مجرد وضع جزة صغيرة من صوفها في ملابس الغزال تحميه من المؤثرات السحرية الشريرة، وكذلك اذا ربطت او التفت حول رجل فرس او بغل، او اذا ربطت في ذيل بقرة، ستجلب لكل هؤلاء الصحة وتمنحهم البركة·
وفي صبيحة يوم العرس تلف خيوط من الصوف حول اصابع العروسة، ويفك العريس هذه الخيوط في المساء، وفي نفس اليوم تدخل المرأة المطبخ حاملة على ظهرها طفلا صغيرا، وتمسك بين يديها بحمل صغير، وعندئذ لابد ان تحصل على الثروة وعدد كبير من الاطفال الذكور، وتجعل ام الزوج عروسة ابنها تدير رأسها ناحية الشرق، وتطلب منها ان تركع بجانب الموقد وتقول لهما وقد امسكت بحبل من الصوف، "الى هذا المكان تنتمين، وانا اربط واقيد ركبتيه بهذا الحبل الصوفي، وهكذا ستبقين مرتبطة ومقيدة الى زوجك الى الابد"، وتظل الزوجة تستخدم هذا الحبل في حمل ربطات العلف والحطب طوال حياتها·
ويروي ان قبيلة آيت حديدو قد جاءت من سوس منذ حوالي ربعمائة او خمسمائة سنة، واستقروا في المنطقة، وفي تلك الايام كانت الاراضي التي يجري فيها نهر اسيف ملول من ممتلكات قبيلة "ايجروان"، ووادي نهر "اسيف تيلمي" كان تحتله قبيلة "آيت مراد" ووادي نهر "ايسلاتن" تحتله قبيلة "ايت ياناس"·
واجبرت التساقطات الثلجية الثقيلة والبرد القارس، اجبرت قبيلة "ايجروان"على الاتجاه شمالا والاستقرار بالقرب من مكناس، اما قبيلة آيت عطاس الصحراوية ثاني المحتلين للمنطقة فقد اجبرتها على الرحيل من المنطقة قبيلة آيت مراد·
بقلم : الأستاذ يسرى شاكر