ألم يحن الوقت لثورة ملك و شعب ثانية؟
التاريخ مرآة الشعوب، و لا يمكن للشعب المغربي أن يفهم ما يجري اليوم دون إعادة قراءة تاريخه.
فمنذ الامس الكولونيالي، تحالف الشعب مع العرش ضد المستعمر، و تبنى الملك محمد الخامس مطالب الشعب بالحرية و الكرامة و العدالة، و نفي على إثرها رمز المغاربة من طرف المستعمر، ليعود إلى وطنه عودة الأبطال.
و ها هو حفيد محمد الخامس، يواجه نفس الوضعية تقريبا، إلا أنه هذه المرة، المستعمر من الداخل. أصحاب النفوذ و المصالح و الامتيازات و الثروات عن طريق الكسب السهل، حماة الريع و الفساد و المحسوبية و الرشوة.
نفس المطالب تعود لتصدح بها حناجر المغاربة: القطع مع الفساد و الإستبداد و الحكرة. و لعل حراك 20 فبراير كان أول ريح تهب على المملكة في عهد محمد السادس، في سياق ما سمي بالربيع العربي، الذي تعددت اسبابه و مسبباته و تشابكت فيه المصالح و المقاصد. ربح المغرب الرهان العشريني، و خرجت المملكة بدستور جديد، سرعان ما انقض على ثغراته نسور الريع و الانتهازية و الغنيمة، فتحول الدستور من عقد إجتماعي جديد بين الشعب و الدولة، إلى مصعد اجتماعي و بساط ريح نحو المناصب و المكاسب، في ظل اتساع صلاحية التعيين لدى رئيس الحكومة التي استغلت ابشع استغلال.
حصل المغاربة على دستور جديد حمل معه آمالا و أحلاما وردية بالحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية، في مقابل ممارسات قديمة و بائدة من طرف خدام مصالحهم عن طريق الدولة، تحالفوا مع كائنات سياسية بائتة و انتهازية إلى أقصى الحدود، بل و أن عمى السلطة و نرجسية الزعماء، دفعتهم إلى تصفية مائهم العكر على حساب البسطاء. و هكذا انتقلت حرب البسوس من مقرات الاحزاب و اذرعها الإعلامية، إلى الواقع على الأرض، مما سبب في تعطيل أوراش تنموية أشرف عليها ملك البلاد شخصيا، و ألفينا مواطنين غاضبين في الشارع، لا يجدون مخاطبا و لا منصتا من أضغاث الاحزاب التي انخرطت في تبادل التهم و السباب لبعضها البعض، في اعتداد مرضي بالنفس من طرف زعمائها الذين حولوها إلى ما يشبه الثكنات العسكرية.
بعد استقلال المغرب، قال المغفور له محمد الخامس قولته الشهيرة " سننتقل من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" أي من جهاد الاستقلال إلى جهاد التنمية. و يبدو أن سياسيي آخر الزمن، الذين استتوا على عرش الأحزاب و أقسموا باغلظ الايمان و الأيسار، أن يكونوا ملوكا لطوائف سياسية منخورة و متناحرة، و تناسوا أن للمغرب ملكا واحدا، نسوا او تناسوا أن الجهاد الحقيقي هو جهاد التنمية و الحرص على مصالح أبناء الشعب و توفير العيش الكريم لمختلف طبقاته الاجتماعية، بدل التكالب المسعور على صفقات الوزارات و الجهات و المجالس، و التسابق نحو القصور و الاقامات و الحسابات الفرعونية، من قوت الفقراء البسطاء و المحرومين من أبناء المغرب المنسي.
لم يتوان سياسييوا الغنيمة عن ابتزاز المؤسسة الملكية، و عن المزايدة عليها بالتاريخ و الجغرافيا و اللسانيات و علم الكلام و اللغة و الخطابة الفارغة، و التزمت المؤسسة الملكية بمنطوق دستور أعد على عجل و في ظروف استثنائية، ظروف سبق الزمن السياسي المغربي و أنتج لدينا مجتمعا يسير بسرعة أبطأ بكثير من روح الدستور، الذي يثبت الواقع كل مرة و إبان كل اختبار، أن مجتمعنا المغربي، بتفاصيله و تعقداته العرقية و الإثنية و القبلية و طغيان المكون الديني في طابعه الكهنوتي، و هيمنته على متغيرات المعادلة السياسية المغربية المتعددة المجاهيل، يتبث واقعنا أننا بحاجة إلى إعادة صياغة الدستور، دستور مستلهم من واقعنا و تراثنا و طموحات شعبنا، بدل محاولة إسقاط تجارب دستورية لا تتفق مع واقعنا و حقيقتنا.
ليس البر أن يكون لدينا دستور النرويج و شعب محروم من ابسط شروط الكرامة و العيش الكريم. قبل تبني دستور النرويج او السويد، فلنؤهل شعبنا و احزابنا و مختلف مؤسساتنا إلى مصاف الشعوب و المؤسسات المتقدمة. و هذا لن يتم بالتأكيد، في مجتمع كهنوتي يسيطر فيه فقهاء التخلف و الجهل على أذهان شعب جله مغيب و مبنج بخرافات و أساطير تثبط العزيمة في التغيير و الإبداع و الابتكار، و تفرض وصاية النقل البليد على تمرد العقل ضد كل أشكال الوصاية و الترويض و التدجين.
في كل هذا الخضم، و في سياق أصبح لا يحتمل الإنتظار أكثر، نحن أمام مجتمع يغلي بهدوء منذ سبيعينيات القرن الماضي، و في ظل إجراءات لا تزيد إلا إضافة حطب على نار، لم تعد هادئة بعد الآن، فاصبحت ألسنتها تتأجج و تنذر بمحرقة جماعية لا قدر الله.
ألم يحن الوقت لثورة ملك و شعب ثانية على ناهبي خيرات البلاد و الجاثمين على صدور المغاربة؟؟؟!!
ألم يحن الوقت لملك البلاد أن يقود ثورة بيضاء، ضد من يتآمرون على الملكية و هم يعلنون التشبث بها كذبا و نفاقا و انتهازية لا غير؟؟!!
أعتقد أن الشعب قال كلمته: الشعب ينتظر التغيير من الملك، و لا يثق إلا في ملكه، بعد أن تآمر عليه الجميع.
محمد ياوحي أستاذ الإقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط.
عضو المكتب الوطني لقطاع التعليم العالي لحزب التقدم و الاشتراكية