لم يعد مجالا للشك أن عبد الإله بنكيران، الامين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة القديم/ الجديد، هو الذي يقود بنفسه حملات الكتائب الرقمية. فالكتائب ليست روادا في الفيسبوك، ولكنهم موظفون برواتب مغرية لدى حزب العدالة والتنمية ويلهفون جزءا من ميزانيته، ولن يمر ذلك دون موافقة من زعيم الحزب، وقد تم أخيرا الكشف عن توظيف حوالي 140 شخصا برواتب غير متوفرة في بعض شركات القطاع الخاص.
ما سبق ذكره لا يترك مجالا للشك بأن الكتائب تُؤتمر بأوامر بنكيران وتُنتهى بنواهيه. وبالتالي فهو من أشار عليها بالكف عن استعمال مصطلح "التحكم" والكف عن مواجهة رجال السلطة والاقتصار على مهاجمة وزارة الداخلية، قصد السيطرة عليها وبالتالي سيتم التحكم في باقي أركان الوزارة والولاة والعمال. وبنكيران هو من أعطى الإشارة للهجوم على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والمطالبة برحيله.
فلا معنى لأن ترفع الكتائب شعار إرحل في وجه وزير ينتمي لحكومة تصريف أعمال قد يعود وقد لا يعود ضمن التشكيلة الوزارية المقبلة. فالمشكل لدى البيجيدي ليس في شخص الوزير ولكن فيما يمثل الوزير. أي أن عنق بنكيران تشرئب لهذه الوزارة، التي استعصت على الاختراق، بما تمثله من رمزية قوية باعتبار أن الشأن الديني يدخل في المجال الملكي باعتباره أميرا للمؤمنين.
دخول الشأن الديني ضمن اختصاصات الملك بشكل حصري ولا يمكن نقل هذه السلطة إلى مؤسسة أخرى إلا تفويضا يجعل هذه الوزارة بعيدة عن منالات الأحزاب السياسية، وخصوصا إذا كان مثل حزب العدالة والتنمية، المنبثق عن حركة التوحيد والإصلاح ذات المرجعية السلفية الوهابية الإخوانية، إذ لا يمكن تسليم الوزارة المشرفة على الأمن الروحي للمغاربة لجماعة هي أصلا تخالف معتقدات المغاربة.
ويبدو أن عبد الإله بنكيران نال حظه من كل الوزارات، واستطاع زرع أعضاء حزبه في كل مرافق المؤسسات العمومية كمدراء مركزيين ومسؤولين ورؤساء مصالح وأقسام، وبالتالي فإنه ضمن وجودا في أغلب الوزارات بما فيها التي لن يعود إلى رئاستها.
السيطرة على الوزارات شيء والسيطرة على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية شيء آخر. يدخل اختراق الوزارات ضمن خطة "التمكين"، التي وضعتها حركة التوحيد والإصلاح، وهي خطة معروفة لدى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتعني التغلغل داخل مراكز القرار خدمة للمشروع الدعوي ذو الأبعاد الانقلابية.
غير أنه في حالة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يتخذ التمكين بعدا جديدا وخطيرا، حيث يعلن بنكيران دخوله في صراع مع الملك في حقل ليس من حقه الدخول إليه وهو بمثابة حقل ألغام، أي الدخول في منازعة الملك ليس في صلاحيات ترتبط بتسيير الدولة ولكن بصلاحيات تدخل ضمن اختصاص إمارة المؤمنين.
الخطة التي بدأ بنكيران في تنفيذها خطيرة جدا، وهي بدل مزاحمة الملك في الصلاحيات وانتزاع صلاحيات جديدة لفائدة رئيس الحكومة، يعمل بنكيران عن إبداء رغبته في التنازل عن صلاحياته إلى درجة أنه قال إن الملك هو رئيس الحكومة، لكن مقابل ذلك يدخل في صراع حول الشأن الديني ومنافسة الملك في مجال لا يمكن اقتسامه.
هل يحاول بنكيران قلب مؤسسات الدولة من خلال قلب المعادلة الدستورية التي جعلت من الملك أميرا للمؤمنين بحكم الانتماء والتاريخ؟ هل سيدخل بنكيران في معركة ضد قواعد الحكم في المغرب التي تجمع بين السلطة الدينية لأمير المؤمنين والسلطة المدنية لرئيس الدولة؟
بوحدو التودغي