محاربة الأمية و التربية غير النظامية أم الطاعون الذي يفتح شهية المطامع لاستئصاله من الكون؟
هي فضيحة حاولوا طمسها وظنوا أن لا أحد يعلم بها، استقدموا حوالي 14 فتاة إلى الحاضرة من جماعة قروية في إطار التربية غير النظامية لاجتياز امتحانات السنة السادسة ابتدائي و ثم إرجاعهم بعد الزوال دون إتمام باقي مواد الإمتحان..، المستقدمون لا يعلمون شيئا، وأهل الصور والحفلات والبطون التي أتلفتها موائد السياسة سيقولون أن نسبة النجاح بلغت 100 في المائة ومستوى التحصيل جيد، وأموال الدولة المرصودة للأمية وهذه التربية بخير، بعيدة عن صب الماء في الرمل ..
كثيرة إذن هي الأسباب التي تقف وراء تفشي الأمية واستمرارها و ضعف التحصيل والإستيعاب، و فبركة المستويات الحقيقية للمتعلمين والمتعلمات، فرغم كل الإعلانات التي تدعي أنها تعمل من أجل القضاء على هذا الوباء فلا يزال مستفحلاً في صفوف الكثيرين، ولم تفلح إنشاء الشبكة أو الشبكات لإحاطتها وتطويقها، بدل أن يغير من الأمر ما يستحق الذكر.
برامج محو الأمية فيها من المبالغة والزواق والاستغلال السياسي ما ليس في غيرها.. , فرغم تزايد الإنفاق العام على التعليم بشكل مطلق، وكنسبة من الناتج القومي الإجمالي، يبقى دعم المدرسين في مجال محو الأمية ونجاح البرامج المرصودة دون أهمية، ولا يعكس توزيع الشواهد حجم المناسبة و نسوة لن تستطع بعضهن قراءة محتواها..
عامة، إن الأسباب التي تقف وراء الفشل في الحد من تفشي الأمية، أن جهود المجال أو جهود الأمية كلها صبت في اتجاه السؤال عن الموارد المالية المخصصة للمجال، في وقت هناك تباين تماما بينها وبين فعالية الأهداف ودور الإدارات أو الأجهزة المسؤولة عن محو الأمية، فنجدها عبارة عن قسم في الوزارة ومديرياتها، وهي الفجوة التي تشكل معضلة في طريقة التعامل واتخاذ القرارات.
بعض الدراسات ترجع أسباب فشل برامج محو الأمية إلى أن نسبة عالية من موازنات تلك البرنامج تنفق على المدرسين ودون تتبع من الخبراء، ولا تنال المواد المدرسة إلا النزر اليسير منها. وهناك من يرجع السبب الرئيسي وراء ذلك الفشل، إلى الفساد الإداري والمالي الذي يستحوذ على نسبة عالية، وبطرق ملتوية غير شرعية، و علاوة على ذلك فبعض من يضطلعون بتنفيذها يشكون من تخلف معرفي مصدره خلفياتهم العلمية.
أسباب أخرى بعضها سياسي، والآخر اقتصادي، دون أن نستثني من ذلك التربوي والاجتماعي....
ولتجنب الإطناب في سرد الأسباب، نرى من الأفضل التركيز على سبل المعالجة..
أول تلك الخطوات مراجعة قوائم المستفيدات والمستفيدين من برامج محو الأمية، فهناك من قضت سنوات ولازالت تلتحق بمركز التكوين، أيضا القوائم النسوية تطغى بكثير عن المستفيدين من الذكور، خلفية مهنية يجب ان تنطلق من ضرورة تحديد جميع فئات محو الأمية، وتحديد النوعية من الأمية التي هي بصدد المحاربة والتخلص منها، هل هي محو الأمية الأبجدية، أم الحضارية، وربما كلتاهما في آن واحد، إذ إن لكل فئة منهما مداخله المختلفة ومنتسبيه المحددين وبرامجه التي تلائمه، مع التقنين بدقة للمدة الزمنية لإنجاز البرامج..
أما عن الحلول التي خلفيتها اقتصادية تنموية، يقتضي حسب ما أشارت له الدراسات في هذا المجال، تحديد العلاقة بين احتياجات السوق المحلية وخطط تنميتها، ومخرجات برامج الأمية ومهارات المتخرجين من فصولها، وكذا العلاقة بين تلك الاحتياجات والمخرجات ليست طريقاً ذات اتجاه واحد فحسب، بقدر ما هي ذات اتجاهين، فبقدر ما تراعي برامج محو الأمية احتياجات السوق، بقدر ما تنجح السوق في المساهمة في توسيع نطاق انتشار تلك البرامج والارتقاء بأدائها وكفاءات منفذيها، الأمر الذي من شأنه خلق علاقات تأثير إيجابي متبادلة بين الجهتين.
تقترن أيضا حماية برامج محو الأمية والإرتقاء بها، بضرورة قيام من يضطلع بمراقبتها أو تنفيذها بحمايتها من أمراض الفساد المالي او الإداري، التي غالبا ما تكون السبب الأساس في إفشال برامج محو الأمية، حيث تذهب نسبة عالية من مخصصات تلك البرامج إلى جيوب المشرفين عليها بدلا من إنفاقها على البرامج ذاتها، وإداري حيث تتدخل سلوكيات المحسوبية في اختيار من يتولى تنفيذ تلك البرامج، مؤسسات كانت أم أفراد.
يقول الدارسون أن الأمية في جوهرها قريبة إلى حد بعيد من مرض الطاعون السريع الانتشار والقاتل في نهايته، وعدم استئصاله وانتشاره بين الأبناء يتسع نطاقه، أبجدية كانت تلك الأمية أم حضارية، والمآل موت الشعب في زمن لم تعد الأطماع العالمية تسمح لشعب مصاب بالطاعون أن يعيش بسلام على سطح هذا الكون..
أزيلال الحرة/ هتاف عبد المجيد