على هامش ما يدون بجدران البنايات بأزيلال.. رسومات وكتابات بين الإبداع والجريمة
شدني موضوع في غاية من الأهمية طرحه للنقاش أحد الزملاء بأحد المواقع المحلية، جوهره يحمل بعدا ثقافيا عميقا يتصل بالتنشئة الإجتماعية للفرد في محيطه الإجتماعي، لكن هل ربط زميلنا عمق الإشكالية وجسد الخلل الذي تعيشه بعض الجوانب بالمنظومة الثقافية في مجتمعنا؟، وفي ذاك الجزء اليسير هل يعقل أن نختزل المسؤولية فقط في عدم فاعلية برامج مؤسسة واحدة، أو مؤسستين أو ثلاث مؤسسات بعينها؟ و في مجتمع تتعدد أدوار فاعليه.
بداية، و لتوضيح الإشكالية لابد من التمييز بين الرسومات والكتابات التي تحمل إبداعا وتعبيرا ثقافيا سليما، وبين التحريضية عن العنف أو السب والقذف، أو المخلة بالآداب والأخلاق العامة، أو التي تحمل بين طياتها رسائل عن إديولوجيات ومواقف سياسية أو قومية عنصرية، لا وجود لها في العهود الكونية...
ليس كل رسم أو كتابة تحتفظ إدارة أزيلال الحرة بصور لها، يتم تدوينها خلسة في جنح الظلام بجدران بأحياء مختلفة بمدينة أزيلال و تقوم السلطة المحلية بإزالتها، كتابة عشوائية كما يظن البعض، وليست أيضا تعابير عابرة تدون والسلام. وإنما هي تدبير ممنهج ومتوالي في الزمن, في إطار حملة منظمة لتحقيق هدف محدد، لذا يقتضي وضع فيصل دقيق بين الكتابات أو الرسومات التي تحمل بين طياتها فكرا متطرفا ممنهجا مضرا بالمجتمع أو الفرد، ومنصوص على إدانة مرتكبيه في إطار القانون الجنائي وتأكيدا في شقه الخاص، وبين الذي يحمل فكرا منظما نافعا ينعكس إيحابا على الوطن والمواطنين، وغير منصوص على تجريمه في المنظومة الجنائية المغربية...
تحمل الرسومات الواقعة بجدار بالشارع المؤدي لمقر عمالة ازيلال، و التي سهرت عليها مؤسسة دار الثقافة وجمعية محلية بأزيلال، تعبيرا وإبداعا لأنامل الشباب المحلي الإيجابي عن الثراث المحلي، جسدته بلوحات تذكرنا بثرات ومعمار السلف، أجدادنا المتشبتون بحب الوطن والوحدة والصمود في وجه المتربصين باستقرارنا، مغاربة وطنيون لا يؤمنون بفكر القومية العنصرية، متعلقون بالدستور ليس كمن يستشهد به أحيانا في بعض المحطات و كتابات لإحقاق الحقوق، وكثيرا ما يتنصلون منه و يصفونه بالممنوح، رغم التصويت عليه بنعم وتزكيته من الغالبية الساحقة من الشعب المغربي، وبخلاف ذلك و باستثناء الرسومات والكتابات التي تشير الى تعلق وإعجاب بفريق كروي ما يحتاج مبدعوها الى التأطير، تقع كل التدوينات الأخرى تحت طائلة القانون الجائي، سواء التي تحمل عبارات مشينة وقذف وسب، أو التي تحمل فكرا إديولوجيا، أو قوميا عنصريا، أو إرهابيا، و لزرع الضغينة والفتنة للمس بأمن المجتمع ، و منصوص على عقاب مقترفيها...
في كل الاحوال، لا يمكن ربط مسألة تنشئة الفرد تنشئة سليمة، وتقويم سلوكه السوي في محيطه السوسيوثقافي بمؤسسة من مؤسسات الدولة بعينها، وفي حالة ظهور حالات إستثنائية لا تقتصر على مدينة أزيلال فحسب، بل هي أفعال وسلوكات تسود العالم برمته نتاج ظواهر متعددة ومواقف متباينة، و ليس معقولا أن نشير بأصابع الإتهام و في حالته الإستثنائية ونختزله في مؤسسة ثقافية بالمدينة أو بمركز لم يتجاوز عمر بنائهما خمس سنوات، وفي وقت قد يتجاوز سن مدونو تلك الرسومات المجرمة 18 سنة، ونحن نحمد الله تعالى أن المدينة تخلصت من رواسب السنوات الماضية بلا رجعة، من تنشئة لعادات سيئة من دعارة و مخدرات علنية..
إن مسألة التنشئة الإجتماعية للفرد في محيطه الأجتماعي تنشئة سليمة، تتحملها بداية الأسرة، ثم المحيط و المؤسسات التعليمية والتربوية ودور الشباب والثقافة وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية... إاالخ، عموما هو دور مشترك، والتنشئة السليمة قوامها أولا التخلص من النفاق والتحلي بحسن النية في بناء الوطن باحترام الثوابت الوطنية، والقوانين الجاري بها العمل، و الخضوع كأقلية لصوت الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي واحترام نظمه.
القضية المطروحة للنقاش تستوجب وقفة للتأمل لاستخلاص العبر والمعاني، لما لها من أهمية في إعداد النشء وبناء قوام المجتمع وتحصين الرأسمال اللامادي محور تماسك المجتمع عماد المستقبل، والذي ما فتأ راهن عليه أعداء وحدتنا الوطنية أو ما لحق المتربصين بوحدة الدول كما حدث إبان الخريف العربي، حقيقة يجب التمعن والوقوف على ما حمله قلم زميلنا من دلالات عن ما يخالج أنفس مبدعو الرسوم وما يحتاجونه لصقل مواهبهم..، لكن عن أي تنمية ثقافية لمواهب نتحدث؟؟، أهي التي تحمل قيما واحتراما للنظم والقانون والتقاليد والأعراف، أم تلك التي ترمي الى تقمص شخصتين، وجه مع ما سلف ذكره، ووجه يكشف بين تجاعيده أسطرا لفكر ظلامي، أوعنصري، أو إديولوجي خارج النظم والأعراف.
إن مجرد النصح دون مأسسة للنفس أولا، للتحلي بنية سليمة للدفاع عن الثوابت الوطنية واحترام النظم القانونية، أو الدعوة إلي إدانة هذه الأفعال المسيئة للوطن والمواطنين تبقى دون جدوى، لأننا نظن أن مرتكبي هذه الأعمال ومن وراءها مجرد أدوات يستخدمها أصحاب المصالح مقابل أجر ترويجا لجماعة ما، فهل يعقل أن يتواصل مسلسل الرسم على الجدران بشكل متوالي في الزمن بشراء الصباغة وما يلزم من أدوات الطلاء دون هدف وغرض معلوم، فالمفروض أن الدولة يجب أن تقوم بدورها ولابد من الحزم الأمني لتحقيق الردع لمصلحة الوطن والمواطن والقانون...
أزيلال الحرة/ المهدي أرسلان
الصور التالية إالتقطتها عدسة الحرة حوالي سنتين من جنوب شرق مدينة أزيلال تمت إزالتها، تبرز مواقف ساسية وإديولوجية معينة: