المولد النبوي الشريف وميلاد المسيح عليه السلام
يحتفل العالم الإسلامي بذكرى المولد النبوي الشريف بالتزامن مع مولد السيد المسيح عليه الصلاة و السلام، ولادتان عظيمتان لنبيين قادا البشرية من الظلام الدامس نحو الهدى و الصلاح و السلام.
كان ميلاد الأنبياء ذكرى لتعانق الأديان و صورة جلية عن التآلف و التعايش الديني تنعكس روحانيتها على الأمم و الشعوب تمتزج بها أصوات المآذن مع أجراس الكنائس لتكون مركز قوة و الهام تستمد المجتمعات من ينابيعها التي لا ينضب مفاهيم الأخوة و التلاحم و التعايش و القبول بالآخر و الإبتعاد عن التعصب الديني و الوقوف حصنا منيعا ضد كل المحاولات العبثية الهادفة لزج الأمة في أتون نزاعات طائفية دينية عقيمة و لكل من تسول نفسه العبث بأمن الأوطان واستقرارها.
و في هذه الأيام المباركة نحن في أشد الحاجة لاستنهاض هذه الأفكار و القيم الانسانية الخالدة التي بعث الأنبياء و الرسل من أجل زرعها في الأجيال و مساعدتهم على الغوص في أسبار الحياة و دهاليزها و أغوارها و عبور الماضي المظلم نحو المستقبل الزاهر بكل أبعاده الفردية و الاجتماعية و المادية و الروحية والحضارية و الثقافية و الدينية و السياسية و إظهار وجه الدين المعتدل الوسطي البعيد عن التعصب و الغلو.
كان ميلاد الأنبياء ميلاد أمم وولادة حضارات باسقة أغنت البشرية و الفكر و التراث الإنساني و ساهمت في خلق ثقافات إنسانية متميزة عززت مفهوم الأمن الاجتماعي و صالحة لأي زمان و مكان تأمر بصدق الحديث و أداء الأمانة و صلة الأرحام و الكف عن المحارم و الدماء و تنهى عن الفواحش و قول الزور و أكل مال اليتيم و تأمر البشر باختلاف مشاربهم و انتماءاتهم الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الدينية بعبادة الله وحده لا شريك له و الصلاة و الزكاة و الصيام.
ميلاد الأنبياء كان رسالة رحمة للبشرية بالابتعاد عن سفك الدماء و هتك الأعراض و الابتعاد عن الشبهات و قتل الأطفال و الشيوخ و النساء و قطع الأشجار و هدم الصوامع و الآثار و تراث الأمم و الحفاظ على دور العبادة (و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة)، (و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، (و اذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله اليكم لما بين يدي من التوراة و مبشرا لرسول يأتي بعدي اسمه أحمد).
كان ميلاد الأنبياء ميلادا لحياة جديدة أشرق بها فجر الحرية و الانعتاق من العبودية و التطرف و الدعوة للتعايش و الحوار (قال يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد الا الله لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
و في ذكرى مولد الأنبياء و بالأخص ذكرى ميلاد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و سلم لا بد من استحضار و استلهام الدروس و العبر و الثبات على نهجه و تسليط الأضواء على دوره في إنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور و السير بها من غياهب الشحناء و البغضاء و العداوات بين القبائل ووأد النساء و الثأر و الطائفية و الرذيلة في المجتمعات الجاهلية إلى بناء دولة إسلامية سمحاء تؤمن بالعدل و التسامح و الفضيلة و الأخلاق و الولوج بالأمة في بحر تتلاطم به الأمواج بالفتن نحو بر الأمان و الوسطية و الاعتدال و إظهار وجه الإسلام المتسامح المشرق خصوصا في ظلال الحروب الدموية و الإقتتال الطائفي الذي يهدد بتقويض السلم و الأمن المحلي و العالمي و أسس و قواعد الحوار و التعايش بين الأديان.
د. منجد فريد القطب