نيابة التعليم بأزيلال : تخطيط العشوائية  و عشوائية التخطيط 

1 - تمهيد : حول مفهوم التخطيط بشكل عام

    التخطيط عملية مركبة تستحضر جملة من التحديات يتم التعامل معها با لكثير من التدقيق و التمحيص وفق مراحل مختلفة تتدافع فيها الاحتياجات و تتكامل خلالها المطالب ، في محاولة لاستثمار كافة الإمكانات المتوفرة ليس قصد الحصول على نتائج آنية ، بقدر ما تكون الغاية الكبرى هي تحقيق أهداف مستقبلية و استراتيجية قادرة على تجاوز المشاكل الهامشية و الفجائية التي قد تتحول إلى معضلات حقيقية .

و يعد التخطيط التربوي من العمليات المعقدة التي يجب التعامل معها بالكثير من الحذر و الروية و التفكير الجدي ، لذلك باتت أهداف التخطيط التربوي ، الأساس الذي تنطلق منه الخطة التربوية لأنه بدون أهداف مسطرة بإحكام ، لا يمكن أن يكون هناك تخطيط ناجح ، ومن أهداف هذا الأخير تحقيق التوافق بين مطلبين اجتماعيين للتعليم و هما تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية لكل أفراد المجتمع إلى أقصى ما تمكنهم قدراتهم و إمكاناتهم ، ثم ما يستحضره المخطط من توافق بين مطالب الأفراد و احتياجات المجتمع و تحدياته ، من خلال إعطاء كل فرد نوعا من التعليم الذي يتناسب مع قدراته و ميوله من جهة ، و من خلال توفير احتياجات المجتمع من القوى العاملة اللازمة لتطوره الاقتصادي و الاجتماعي ، في توازن مرن بين تقاليده و تراثه  و الجديد اللازم لتحديثه و حركيته من جهة أخرى.

وعندما نتحدث عن الاقتصاد هنا ، فلأن التخطيط التربوي له أهدافه الاقتصادية أيضا . فالتربية من أهم مستلزمات الإنتاج و هي نوع من الاستثمار المربح الذي يفوق عائده أي مشروع اقتصادي محض . و ما الحديث في السنوات الأخيرة عن  الاهتمام بزيادة الكفاية الإنتاجية للمتلقي و إكسابه مهارات معينة إلا دليلا على الهم الذي صار المجتمع يستحمله لتحقيق النمو الوظيفي و المهني في آخر المطاف . ( رغم تحفظنا في هذه النقطة على ضعف تنشيط البحث العلمي و التكنولوجي بتوفير المناخ الأكاديمي و رفع كفاءة و جودة العمليات التعليمية التعلمية من خلال تزويد سوق العمل بروافد ، انطلاقا من الإمكانات اللازمة لتحقيق أي نشاط رئيسي و لإعداد القادرين على القيام بالبحث بما يسهم في تطوير الاقتصاد و حل مشكلات الكفاءة الإنتاجية ) .

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن التخطيط التربوي يرتكز أيضا على رؤى سياسية تهدف للحفاظ على الكيان الاجتماعي و تنمية الروح القومية بين الأفراد بما يحقق مزيدا من الانسجام بينهم و بين مجتمعهم .

هذه باختصار شديد ، هي بعض معالم فلسفة التخطيط التربوي ، و التي تبين مدى أهمية التدقيق و العمل بكل اجتهاد في كل تفاصيل هذه العملية المركبة بعيدا عن كل تسرع أو نظرة قصيرة الأمد أو استعجال .

2 - التخطيط التربوي بنيابة التعليم بأزيلال :

    إن الوضعية التربوية المتكررة بداية كل موسم دراسي ، و التي تتميز بالعديد من الاختلالات تجعلنا نعرض لهذا الموضوع من خلال عدة مؤشرات مرتبطة بالتخطيط ، سواء تعلق الأمر بتوسيع العرض التربوي أو توفير مختلف أشكال الدعم الاجتماعي أو تحسين فضاءات التمدرس ، أو تحسين النموذج البيداغوجي ، غايتنا أن يكون النقد بناء في هذا الصدد .

من الأمثلة الصارخة ، في نظرنا ، لسوء التخطيط التربوي ، الإقبال على استحداث ثانوية تأهيلية بآيت بوكماز بتكلفة مالية ناهزت مليار و 800 مليون سنتيم لفائدة لفيف قليل من التلاميذ لا يتجاوز 100 تلميذ و جمع قليل من أطر هيئة التدريس لا يتعدى عشرة أساتذة ! هذا مع العلم أن إعدادية تبانت هي الرافد الوحيد الذي يزود الثانوية المستحدثة اليوم بالمتمدرسين . هذا أيضا في الوقت الذي كان من الممكن صرف جزء من هذا المبلغ الكبير في توسيع العرض التربوي بإعدادية ولي العهد التي أحدثت في بلدية أزيلال المركز الآهلة بالمتمدرسين مقارنة بمنطقة بوكماز ، حيث لم تتجاوز بنية الإعدادية عشرة أقسام لحوالي 420 تلميذا ! و لا ننسى أن نستحضر تغييب مصلحة التخطيط في مشروع تبانت لإشكالية التضاريس و المناخ المتسم بالبرد القارس الذي ينعكس سلبا على المدرس و التلميذ معا :

فالأول سيستفيد من عامل القرب (  كلم 20 ) من مركز المدينة لو تم توسيع إعدادية آيت امحمد مثلا ، إذ ستكون ظروف عمله أحسن من ظروف عمل قاسية نسبيا في منطقة وعرة الطريق و تبعد عن مركز المدينة بحوالي 90 كلم .

أما الثاني ، أي التلميذ ، فقد تم الحكم عليه بنوع من ( السجن المؤبد ) ، إذ سيقضي جزءا آخر من حياته بنفس المنطقة التي قضى بها تسع سنوات من التعليمين الابتدائي و الإعدادي ، مع ما يصاحب هذه الوضعية من روتين و ملل ، بالإضافة  إلى " انغلاق " في الشخصية بسبب العيش بنفس البيئة لحوالي عقدين من الزمن !. فانتقال التلميذ إلى بيئة جديدة ، يضمن له حتما انفتاحا في الأفق الفكري بفضل الاحتكاك مع الجديد ، كما يضمن له الاعتماد على النفس من خلال تنمية مختلف قدراته بشكل أو بآخر .. و في هذا الصدد ، نعتقد أن نفس الخطأ سيتكرر مع مشروع استحداث إعدادية بزاوية أحنصال.

كما أسلفت الذكر ، كان من الممكن رصد جزء كبير من الميزانية المخصصة لثانوية بوكماز ، لتوسيع العرض التربوي لإعدادية ولي العهد التي لم ترق بنيتها الحالية إلى مستوى التطلعات : فالاكتظاظ يخنق المؤسسات المجاورة بسبب كثرة الروافد ، كما أن الاحتجاجات متأججة داخل المؤسسات التعليمية بين الأساتذة و الإدارة ( تيشيــبـيت و الحنصالي نموذجا ) ، و قرب مدخل نيابة التعليم بين الأسر و المصالح المعنية ( آخرها مسيرة 29 شتنبر 2014 ) .

إن الرؤية الخاطئة في إنجاز مشاريع التوسيع و تحسين فضاءات التمدرس يجسدها أيضا تشييد ثانويتين تأهيليتين متقاربتين ببني عياط ، وإعداديتين بنفس الجماعة بفم الجمعة .

كما أن الاكتظاظ الذي تعرفه تــنــــانـت اليوم ، يجعلها تستحق أن تنال من إحداث المؤسسات التأهيلية أو توسيعها حظا وافرا بحكم توافد العديد من التلاميذ من المناطق التابعة سواء لكطيوة لوطا أو كطيوة الجبل أو انتيفا أو حتى تلك المحاذية لتساوت العليا و التي يستعصي على التلميذ القادم منها إيجاد مسكن للاستقرار قصد متابعة دراسته في ظروف ملائمة ، فيسلك بالتالي طريقه ، مضطرا، نحو الهدر المدرسي

فالطاقة الاستقطابـية لمنطقة تنا نت تستوجب التفكير مليا في هذا الموضوع ، خصوصا مع الاكتظاظ الحاصل بالقسم الداخلي و الذي يفرض على النيابة كل موسم الاتكا ل دوما على الجمعيات المحلية لحل مشكل إيواء التلاميذ القادمين إلى مركز قيادة تنا نت و خصوصا فئة الفتيات ، الشيء الذي يعتبر حلا ترقيعيا لا يجب الاعتماد عليه في كل مرة .

إن مدينة أزيلال المركز ، تعرف اليوم نموا ديموغرافيا ملحوظا تعززه الهجرة المتنامية نحو الحاضرة ، الشيء الذي يفرض مرة أخرى خلق إحداثات جديدة و مرافق إدارية و تعليمية و اجتماعية في مستوى التطلعات لتحسين جودة الفعل التربوي ، بدل ما نشاهده اليوم من " تشتيت " للوحدات المدرسية ، منها الثانوي التأهيلي على وجه الخصوص . كما أن مشاكل الاكتظاظ الذي بدأت تعرفها بعض التأهيليات بأزيلال المركز ( أزود و المسيرة نموذجا ) يفرض أكثر من أي وقت مضى التفكير في خلق إحداثات جديدة بهذه الحاضرة التي تعرف اليوم تزايدا ديموغرافيا مهما .

في مجال آخر ذي صلة بالحكامة الإدارية و التسيير ، لا بد من الإشارة إلى بعض الاختلالات المرتبطة بعدم استقرار السيد رئيس مصلحة التخطيط بمدينة أزيلال ، الشيء الذي يساهم في عرقـلة السير الفعال للخدمات المتعلقة بالمصلحة ، و التي تستلزم نوعا من المواظبة و الانضباط . كما أن مشاركة المسؤول المكلف بالخريطة المدرسية في " الإحصاء" ، أدى إلى إرباك عملية الدخول المدرسي ، و إلى التأثير السلبي على الاستراتيجية التواصلية الفعا لة للدخول التربوي خصوصا ما يتعلق بحركية التلاميذ الوافدين ، و عدم تمكن النقابات من التواصل المباشر مع السيد المسؤول عن هذه المصلحة ، مع العلم أن حضوره بشكل يومي منذ الأسبوع الأول من شهر شتنبر ، ركيزة أساسية في عملية تنظيم الدخول المدرسي بشكل سلس و أكثر فاعلية . بالإضافة إلى كون غياب التنسيق المحكم بين التخطيط و مصلحة الموارد البشرية في شأن ضبط الخريطة و إعادة الانتشار ، يؤثر سلبا على عملية تصريف الفائض و التي ظلت للأسف الشديد خلال جل السنوات الماضية تعتمد على مبدأ العلاقات الخاصة على حساب الإحصاء الرقمي المضبوط.

فهناك العديد من الفرعيات الابتدائية مثلا تضم مستويات متعددة بأستاذ واحد ، إلى غيرها من الأمثلة  السلبية التي لا داعي للتفصيل فيها في هذا المقام .

نعتقد في آخر هذه الأسطر أن مراعاة القرب في توزيع المنح ( ليس كما وقع مثلا مع التلميذة التي وفدت من أكنان و تسلمت المنحة لمتابعة الدراسة بأفورار...) ، بالإضافة إلى مراعاة الطاقة الاستقطابية في علاقتها بالروافد أثناء استحداث أو توسيع العرض التربوي ، مرورا بمراعاة ازدياد الكثافة السكانية بمركز المدينة و الذي يستوجب الزيادة في عدد المؤسسات و مراكز الإيواء ، وليس انتهاء بتصحيح بعض اختلالات التدبير بنيابة التعليم بأزيلال ... كلها عوامل و تدابير ستساهم فعلا في محاربة الهدر المدرسي من بوابة حكامة التخطيط .

ولا يفوتنا في الأخير أن نشير إلى ضرورة التفكير في وضعية المركب التربوي الذي لا يجب أن يبقى مجرد مكاتب شبه صنمية ، خصوصا مع التأكيد مؤخرا على تحويل بعض المصالح داخل نيابة التعليم لإرساء مكاتبها بالمركب . الشيء الذي قد يفقد الأخير وظيفته الاشعاعية و التواصلية التي أنشئ من أجلها ( تكاوين ، منتديات ...) . مع العلم أن عدد قاعات المركب محدودة دون الحديث عن  الخزانة غير المفعلة رغم احتوائها على أكثر من 13000 كتاب ! في الوقت الذي كان من الممكن التفكير في خلق نادي و لو من الحجم الصغير لفائدة الأطر التربوية داخل المركب يناقشون فيه أمور التربية عن طريق العروض البيداغوجية و الندوات الفكرية كما هو الحال ببعض المدن الأخرى، ولما لا  تقديم بعض العروض المسرحية بالقاعة المخصصة لذلك و التي لم تقدم بها إلا مسرحية واحدة منذ افتتاح المركب .

في سياق آخر، نتمنى أن يتم تخصيص مكتب فرعي للتعاضدية بهذا المقر لتقريب خدماتها من المنخرطين الذين ينتظرون منذ سنوات رفع العناء و تكريس مبدأ الجهوية المتقدمة التي ستعمل على التسريع  بتسوية ملفاتهم الطبية التي سئموا من إرسالها إلى مكاتب المدن المجاورة أو السفر قصد إيداعها بعين المكان .

نعتقد كذلك أن نيابة التعليم بأزيلال عليها - في إطار علاقتها بالمصالح الوزارية الفوقية – أن تلح على ضرورة استفادة هذا  الإقليم الشاسع من حصة مهمة عند عملية توزيع الخريجين الجدد ، لأن حصة 89 أستاذ المخصصة هذه السنة غير كافية جدا باعتبار ارتفاع نسبة الحركة الانتقالية الوطنية للموسم الماضي . كما أن دور المجالس المنتخبة في هذا الصدد أساسي للغاية ، ما دام الغرض من الترشح لتلك المناصب هو الدفاع عن حقوق الإقليم بمختلف أنواعها .

3-  على سبيل الختم :

كثيرة هي المهام المنوطة بالتخطيط التربوي ، و عديدة هي المشاكل التي يواجهها في مقابل جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه في تدبير الأمور التربوية بإقليم من هذا الحجم . و يبقى مشكل قلة عدد الداخليات و عدم الإقبال على تأهيل و توسيع الوحدات الموجودة سلفا خصوصا بالمناطق ذات الطاقة الاستقطابية الملحوظة و المعهودة ، من المعيقات المتكررة للسير العادي للدخول التربوي.كما أن تشتت الوحدات المدرسية يعيق عمليات المراقبة الإدارية و يساهم في تنامي  ظاهرة الهدر المدرسي. يحدث هذا في وقت نتحدث فيه عن تطوير المنظومة التربوية  بتعميم تكنولوجيا المعلوميات و إدخالها إلى الفصول الدراسية ، في حين يستغرب المتتبع للشأن التعليمي استغرابا من عدم استفادة إعدادية أحمد الحنصالي مثلا ، من شبكة الأ نترنت و هي المؤسسة التي يتجاوز عمرها أربعين عاما من الوجود و تلامس أسوارها و جدرانها ، أسوار و جدران نيابة التعليم الموقرة . مع أن مؤسسات لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات يستفيد تلامذتها و مدرسوها من هذا الامتياز الهام .!!!.

المسلك سعيد