ازيلال: دمنات بين إكراهات الإرث الثقيل للمجالس السابقة وتطلعات المجلس الحالي نحو إعادة تأهيلها
يقول المؤرخون، إن دمنات حاضرة من حواضر المغرب الضاربة في عمق التاريخ ، ويقول الواقع، إن هذه المدينة بثرائها التاريخي والتراثي، قد جسدت عبر امتداد تشكلاتها في الزمن هذه الحقيقة التاريخية، فكانت بذلك حصنا منيعا ضد الهجمات الاستعمارية، كما كانت مخزنا للثروة الفكرية المكافحة، وفضاء للصناعة التقليدية ومربطا للحرفيين والتجار، المسلمين منهم واليهود..
دمنات بتجدرها التاريخي،الذي يفيد أنها سبقت مدينة مراكش بمئات السنين، ارتبطت تاريخيا بمقاومة الاستعمار وأدياله من لوبيات الفساد، وظلت بذلك مجرد قلعة منزوية على نفسها إلى حدود الألفية الأخيرة حيث تحولت إلى واحدة من المدن الرئيسية بإقليم ازيلال، ومن أهم جماعاته الترابية، من حيث المؤهلات الطبيعية والموقع الجغرافي. والى فضاء مُغر بطبيعته ومجالاته ، وبإمكاناته المادية والمعنوية المتعددة : موقع أيمي نفري، المنتصب على القنطرة الطبيعية، ، آثارالدينصور بايوارضن، الثقافة المتعددة /المتجانسة ، العادات المحلية الضاربة في العمق التاريخي، ومميزات جمالية تقليدية منحتها صفة قطب سياحي بامتياز.
وعلى غرار باقي المدن المغربية، عرفت بلدية دمنات التي تضم اكبر قبائل ازيلال، ، خلال الألفية الأخيرة، نموا ديمغرافيا سريعا، ازدادت معه الحاجة إلى العمران وما يستلزمه من بنى تحتية، وطفا سؤال تأهيل المدينة عن باقي الأسئلة المطروحة إلى درجة أن مدبري الشأن المحلي، اعتبروه من بين الأولويات التي فرضت نفسها دون غيرها، خلال هذه الولاية. والقول بالتأهيل في ابسط صوره، يعني اخذ بعين الاعتبار التجمعات السكنية الجديدة والجيوب الهامشية التي تشكو من غياب شبكة الماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي والبنى التحتية والمرافق العمومية الأساسية ، وكل ما يرافق ذلك من إكراهات حقيقية تتعلق بالجانب المادي وكيفية مواءمة المسطرة القانونية خصوصا إذا ما استحضرنا إفرازات سنة 2011.
وإلى جانب مطلب إعادة هيكلة المدينة، وجد المجلس الحالي نفسه ، أمام حتمية تدبير ملفات أخرى جد معقدة تتداخل فيها صلاحيات مؤسسات وأجهزة عدة، منها مشروع الماء الصالح للشرب الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة خلال زيارته ما قبل الأخيرة للإقليم في أواخر العشرية الأخيرة، والتي إلى حد الآن لم ينته بعد. مع الإشارة، أن بعض المعطيات الرسمية تفيد أن نسبة الإشغال به وصلت حوالي 80 بالمائة، ومن المرتقب أن تستفيد منه الساكنة في غضون المستقبل القريب . نفس الشيء بالنسبة إلى ملف إعادة توطين المطرح العمومي للنفايات الذي قيل انه من أحسن المطارح المتواجدة بجهة تادلة ازيلال، إلا انه هو الآخر كان موضوع اعتراض من طرف بعض السكان الذين تخوفوا من تأثيراته.
وأمام كل هذه التحديات الكبرى، ونظرا لكون بلدية دمنات، تعتبر من الجماعات الترابية المتوسطة الدخل ، التي لا تتوفر على مداخيل معقولة ، حيث تعتمد ميزانياتها، وبشكل ملحوظ، على إمدادات الدولة، من خلال حصتها من منتوج الضريبة على القيمة المضافة، ومداخيل ذاتية ،غالبا ما يتم صرفها على القروض الناتجة عن الإرث الثقيل التي ورثته البلدية من المجالس السابقة خاصة ما يتصل منها بتكلفة انجاز مشروع السوق الأسبوعي ..، نظرا لذلك، فإن العديد من المشاريع قد تمّ تجميدها كُرها لا طواعية، ومما زاد الطين بلة ، الصراع الأخير الذي دار بين السلطات الوصية ورئيس المجلس البلدي حسن أكرام، والذي ساهم بدوره في عرقلة سير عمل المجلس، فالرئيس ينادي باحترام الاختصاصات ويتهم سلطات الوصاية بالتدخل في شؤون مجلسه، الأمر الذي دفعه أكثر من مرة إلى تقديم طلب الاستقالة، والسلطات تقول أنها تسعى إلى تطبيق القانون ليس أكثر .
وعن هذه التجربة، وتلك الإشكالات، حاولت الجريدة الإنصات إلى احد الأقطاب الفاعلة في هندسة سياسة المدينة، وهي شخصية مخضرمة عاصرت ولايتين انتخابيتين، إلا أنها تقول أن مسؤوليتها الآن اكبر بكثير من الأمس،والحديث هنا يتعلق بالنائب الأول لرئيس بلدية دمنات عبد الجليل عاشوري، الذي أكد بدوره على أن المجلس الحالي فعلا ، وجد أمامه إرثا ثقيلا من القروض ، كما ورث مشكل التوسع العمراني وتدبير النفايات، ولأجل ذلك، اعتمد منهجية واضحة، انطلقت من تشخيص وضعية المدينة وانتهت بإعطاء الأولوية للملفات ذات الصلة بالسكان، والتي منها توسيع الإنارة العمومية، تدبير النفايات تهييئ البنيات التحتية / الطرق وواد الحار، وتزويد مدينة دمنات بالماء الصالح للشرب انطلاقا من سد الحسن الأول، ثم العمل على تحقيق كهربة شاملة.
وفي معرض إجابته عن سؤال للجريدة يخص بعض الاحتجاجات التي تزامنت مع الولاية الحالية، أكد عاشورى أن التظاهر حق مشروع، وظاهرة صحية شريطة أن يتمأسس على مطالب حقة بحيث يُمسى في ذات الوقت أداة لتقويم الاعوجاج ، ونحن يقول كمجلس كنا أذانا صاغية ، واستطعنا حسب تقييم بعض المتتبعين للشأن المحلي بالمدينة أن نخلق "رأيا عامّا" يؤكد في شموليته على أن هناك فعلا تطورا ملموسا، وهناك على الأقل مدينة حضارية بدأت ملامحها تتشكل بقوة مع هذه التجربة الحالية رغم الاكراهات السالفة. وهذا أمر طبيعي ومعقول لأننا أنجزنا الكثير مما نملك من دعم قليل، حيث عملنا على إصلاح الشبكة الطرقية الموجودة بالمدينة العتيقة، وفتحنا طرقا جديدة خصوصا في ظل التوسع الذي عرفته المدينة بعد التقسيم الإداري الأخير . وانصب اهتمامنا على تنظيم السير والجولان ، وعملنا على تبليط أغلبية النقط السوداء في الأحياء، واقترضنا حوالي مليار و600 مليون سنتيم لفتح وتهيييء وتقوية الطرق.
وعن هذا الموضوع يقول مهندس البلدية "عبد اللطيف كريمونا" لقد خصصنا هذا القرض، الذي جاء في إطار تهيئة الطرق بالمدينة من اجل تحقيق محتوى صفقتين هامتين، الأولى همّت الطرق الرابطة يبن الأحياء( طريق ايت أمغار، طريق إسران طريق ايت امعلا وتهيئة شارع تزغت، وترصيف شارع محمد الخامس..) وقد بلغت تكلفتها إلى حد الآن حوالي 12.500مليون درهم ، والثانية بلغت حوالي 2مليون درهم، وهمت في اغلبها أزقة المدينة العتيقة،( الملاح.. )، وقد استهدفتا في عموميتهما وصول الساكنة بأريحية إلى قلب المدينة ،والتغلب عن الاكراهات التي تعرفها الأحياء الهامشية آو تلك التي أفرزتها مرحلة ربيع 2011.
و إلى جانب هذا ، يقول عاشوري، لقد تحكمنا جيدا في الإنارة العمومية عبر إقرار إصلاحات جذرية في هذا المجال، كما تصدينا للنفايات عبر فرض نظافة دائمة على جميع الأحياء حيث خصصنا مسابقة تنافسية في هذا الإطار حول "أنظف حي" وقد فاز حي الصناع خلال هذه السنة. إلى ذلك يقول المتحدث، أعدنا فتح بعض الحدائق وتجهيزها بألعاب الأطفال، وبنينا قاعة مغطاة بشراكة مع مجلس جهة تادلة ازيلال . وفي المجال السياحي عملنا كل ما بوسعنا للاهتمام بالفضاءات السياحية حيث نهجنا سياسة واضحة من اجل تحرير الملك العمومي. وقد مكننا ذلك من فتح منافذ جديدة . وهناك مشاريع أخرى لم نستطع استكمالها ، منها التطهير السائل ببعض الجيوب المستحدثة بالمدينة وهذا يقول إشكال حقيقي لازال يؤرق بال المجلس، بالإضافة إلى كل ما يتطلع له شباب المنطقة من ملاعب للقرب وباقي المرافق الإنمائية الأخرى التي تم تأخيرها فقط من اجل النهوض بالبنية التحتية ، وخلق فضاء ملائم للاشتغال .
وموازاة مع هذا، قال عاشوري ، إننا شرعنا في التنسيق مع شركائنا في قطاع التعليم، والصحة والبيئة إلا أن هذه الخطوة تبقى شبه متعثرة في بعض القطاعات، نظرا لوجود مساطر إدارية معقدة ،ووجود اختيارات أخرى تقاوم التغيير والإصلاح، على عكس أفاق التشارك مع كيانات المجتمع المدني التي عرفت مسارا ناجحا، حسب قول زميله حميد الغوات عضو المجلس الإقليمي ورئيس لجنة الثقافة الذي أكد على أن انفتاح المجلس على المجتمع المدني المحلي أمسى ضرورة ملحة، والاهتمام بتطلعاته كان ولازال موضوع نقاش جاد بين كافة المنتخبين ولا أدل على ذلك يقول الموافقة بالإجماع على دعم العديد من الجمعيات الناشطة، والتنسيق ربما لأول مرة مع جمعية حقوقية في إطار ما يسمى بأيام الخيمة.
حميد رزقي