لماذا ينمو الإرهاب؟
من خلال القراءة الأولية، يبدو أنّ التّقرير الأخير الذي أصدرته وزارة الخَارجية الأمريكية حول الإرهاب يحمل رسائل إيجابية، وفي نفس الوقت يحمل أرقاماً مخيفة: الرّسائل الإيجابية تخصّ الدّول العربية المنخرطة في مكافحة الإرهاب، من حيث الإشادة بجهودها الفعالة، ما يعني أنّها شريك أساس في الحرب على الإرهاب، ومن حيث إجراء تقييم شامل لمبادراتها بمعزل عن موقف واشنطن من سياسات تلك الدّول. لكل ذلك، ليس مستغرباً أن ترحب معظم الدّول العربية المعنية بجهود مكافحة الإرهاب بهذا التقرير. غير أنّ الأرقام المخيفة تؤكد في المقابل بأنّ الإرهاب لا يشهد أيّ انحسار يُذكر، وبدل ذلك فإنه شهد خلال العام الماضي نسبة نمو تقدر بـ 40 في المئة. وهي نسبة نمو كبيرة جدا. ولا شك أنّ الحالة السورية وكذلك الحالة الليبية قد ساهمتا في هذا الارتفاع، لكن المحصلة الأخيرة أنّ الظاهرة الإرهابية، وخلاف معظم التوقعات، تظلّ في ازدياد مضطر.
لربّما يبدو الإرهاب العالمي اليوم مثل ذلك الوحش الأسطوري الذي عندما يُقتل تنبعث من جثته وحوش كثيرة. وأيضا تبدو الحرب على الإرهاب مثل صخرة سيزيف التي حين تُحمل إلى الأعلى تتدحرج إلى الأسفل ليعاد حملها مجدّدا فيما يشبه العود الأبدي. والسؤال، كيف نتخلص من هذه الدّائرة المفرغة؟
نحتاج إذاً إلى تقييم جدي لما سُمي بالحرب على الإرهاب.
على الأرجح انطلقت الحرب على الإرهاب رسميا صبيحة يوم الحادي عشر من شتنبر، لكن إلى غاية اليوم مضى أزيد من ثلاثة عشر عاما والنتيجة أن الإرهاب العالمي، حتى وإن غاب في مطلع ما سُمي بالرّبيع العربي بحيث لم تظهر له علامات ولا رموز ولا صور، فإنّه ما انفك يعود ليضرب بقوّة وشراسة حتى في المناطق التي لم يكن يبلغها من قبل. بل لعلّه تحوّل من الوجود الافتراضي الذي كان عليه خلال حقبة ابن لادن إلى نوع من الوجود الواقعي، ليحتلّ مناطق وأراض شاسعة هذه المرّة. لكن، أين الخلل؟
المشكل أنّ الحرب على الإرهاب انطلقت منذ البداية بنحو مختل؛ إذ ركزت على الجانب العسكري والأمني وعلى مصادر التمويل أحياناً، لكن كل هذا لم يكن كافياً. نعم، السلاح ضروريّ لانتشار الإرهاب، والمال أيضا ضروريّ للتنفيذ العلميات الإرهابية، لكن كل هذا لا يكفي، فقبل السلاح وقبل المال يجب استحضار أنّ الإرهاب يتغدى أيضا، بل وأساسا، من وجود خطاب دعوي داعم ومنتج للعنف الديني، إنه الخطاب الذي يحرض عن قصد أو عن جهل على الحقد والتعصب والكراهية، وذلك من خلال رواج العديد من المفاهيم الاحترابية من قبيل الجهاد والبراء والنفير والجزية والغنيمة والتدافع والغيرة إلخ، وعبْر الموقف من المرأة والأقليات والحريات الفردية. لذلك كان الحسّ السّليم يقتضي أن تكون الحرب على الإرهاب أيضاً أو بالأحرى معركة لأجل تحديث الخطاب الديني الرّائج بين الناس. ومن دون شك فإن خلفية هذا الخطاب راسخة في مناهج التّدريس وخطب الجمعة وبرامج الإعلام الديني ونحو ذلك.