هل أصبحت هسبريس بوقا لنشطاء العدل والاحسان ضد المقدسات الوطنية
نشر موقع هسبريس على غير عادته مقالا خطيرا للغاية يمس في العمق المقدسات الوطنية التي يعاقب القانون على عدم احترامها. ومن غير المستبعد أن يكون الموقع المذكور أراد في الآونة الأخيرة التصعيد من اللهجة تجاه صناع القرار في البلاد. وظهر ذلك جليا من خلال حشد مقالات عديدة لنشطاء من العدل والإحسان، بل حوّل العديد منهم إلى صحفيين رغم أنهم لا يتقنون سوى السب والشتم.
والمقال تحت عنوان "الرمز" لصاحبه سعيد المودني، كله تهكم على رموز المغرب. فالإسلاميون يكرهون الرموز التاريخية والوطنية. فالحركات الإسلامية بمختلف انتماءاتها لم تحد عن الفهم السلفي الفقهي للرموز التي تعتبرها شركا ووثنية. وهكذا كان عبد السلام ياسين يعتبر شعار المغرب (الله، الوطن، الملك) وثنية. وقبله قامت الحركة الوهابية بتخريب قبور الصحابة. فهؤلاء لا يجدون أنفسهم لا في التاريخ ولا في المستقبل، فتاريخيا كل شيء يدينهم ويعتبرهم خارجين عن الأمة ولا مستقبل لهم لأنهم متشبثون برموز لا تمثل الاعتدال والتسامح الإسلامي، كما لا يجدون أنفسهم في الجغرافية لأنهم لا يؤمنون بالأوطان، ووطنهم هو حيث يمارسون ساديتهم باسم الدين.
ومقال "الرمز" لسعيد المودني، الذي نشره موقع هسبريس، يدخل في هذا السياق. فهذا الكاتب النكرة، والذي ينبغي استدعاء أدوات السيميوطيقا لقراءة صورته المرفقة بالمقال، وقد يحار رولان بارث في تشخيص ملامحه وإسقاطها على شخصيته، يتحدث عن صورة الملك التي توجد في المحافل والإدارات متسائلا: ما هو الرمز الأول والحقيقي لهذه البلاد؟ ولماذا لا يتم التركيز عليه، ويتم التركيز، بدلا عنه، على هذا "الرمز"؟ والغرض من أسئلته هو أن صورة الملك ينبغي تعويضها برمز آخر.
فالمغاربة اختاروا ثالوثا مقدسا: الله، الوطن، الملك. ويفهمون معنى الله بالفهم العقائدي الأشعري الذي يختلف بتاتا عن أفهام السلفيات وعموم الحركات الإسلامية، التي تستقي عقيدتها من عبد الحليم بن تيمية الحراني وهو من المجسدة. في حين أن المغاربة ينزهون الله ذاتا وصفاتا. ومن منطلق التجسيد يتساءل كاتب المقال الإنشائي عن عدم حضور الرمز الأول. يا له من تافه يريدنا أن نصور الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فالله حاضر في حياة المغاربة من خلال القيم الدينية الراقية التي تؤطر حياة المواطن والدولة في انسجام تام له عنوان كبير إمارة المؤمنين.
أما الوطن، الذي تكفر به الحركات الإسلامية، هو هذا المجموع الذي يختزل التاريخ والجغرافية والثقافة والدين والفقه والفكر والفسلفة وشكل الدولة وتطورها. والملك يمثل رمز الوطن. ولكل وطن رمز. وفي كل بلدان العالم تُعلق صور الملوك والرؤساء بما فيها الدول العلمانية. فنحن لسنا دولة طارئة على الوجود ولكن دولة ضاربة الجذور في التاريخ وممتدة في الجغرافية وفاعلة في الجيوبوليتيك. فنحن دولة مؤسسات وديمقراطية وانتخابات وحكومة لكن يمثلنا الملك.
يبقى السؤال هنا محيرا: لماذا موقع هسبريس يصر على نشر المقالات المسيئة للمغرب وأهله وشعبه ودولته؟ لماذا يحرص الموقع على أن يقسم مساحته بين السلفية بأنواعها والعدل والإحسان والتوحيد والإصلاح مع توابل ليبرالية قليلة جدا؟ ألهذا تمت مجازاتها بجائزة الصحافة الرقمية التي لا نعرف لها ساسا ولا رأسا؟ وحسب معلومات مؤكدة فإن هسبريس لم يعد يهمه المال، فهو الأكثر دخلا في المغرب بما يفوق 10 ملايير سنويا، وبالتالي فإن همه أصبح سياسيا. فالموقع يمارس السياسة من خلال دعمه للعدل والإحسان والتيار الإسلامي المتطرف.
إن ما أقدم عليه الموقع المذكور يدخل في خانة ضرب المغرب والتآمر عليه وعلى رموزه فقط لأنه اختار أن يكون في طريق مختلفة عن طريق حركات الإسلاميين. وهذا الموقع يحظى برعاية خاصة من مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة وسبق أن نظم له لقاء ليدافع عن حكومته.
أن عقدة الحركات الإسلامية تتمثل في كونها لا تتوفر على رموز في النضال الوطني والتحرري وأن كل قتلاهم ماتوا من أجل السيطرة على السلطة، لكن لم يقدموا تضحيات من أجل الشعب. وبالتالي فهم يسعون إلى ضرب كل الرموز "باش تقاد لكتاف".
موحى الاطلسي