|
|
حقيقة هؤلاء هو ما تدركه بشكل مباشر في سياستهم ونتائجها
أضيف في 22 يوليوز 2018 الساعة 39 : 17
حقيقة هؤلاء هو ما تدركه بشكل مباشر في سياستهم ونتائجها
هناك فيلسوفٌ ألماني عملاق بلا شكّ يُدعى [إدْمون هوسّيرل: 1859 ــ 1938]، هو مؤسّس ما يسمّى [المدرسة الظّاهراتية] أو [الفينومينولوجيا]، وقد تأثّر به كلٌّ من [هايدغير، وسارتر]، وظهر ذلك في الفلسفة الوجودية التي بنى صروحَها [هايدغير]، وأعاد [سارتر] صياغتَها حتى انتشرتْ انتشارَ البدعة غير المألوفة في [أوربّا والعالم الغربي].. كان أسلوبُ [هايدجير] صعبا وغامضا، فيما كان أسلوب [سارتر] سهلاً وواضحًا.. لكنْ دعْنا من هذا، فموضوعنا هو منهج [هوسّيرل] أي [الفينومينولوجيا]؛ فما هي خلاصة خطوطها العريضة حتى لا نتيه في موضوع متشابك وعريض؟ يرى [هوسّيرل] أنّ حقيقة الأشياء، هو ما تتبدّى عليه في الواقع؛ وأنّ (الماهيات) تمتلك المعنى، لكنّها لا تمتلك الوجود في ذاتها؛ ويذهب [هوسّيرل] إلى أبعدَ من ذلك حين يقرّر بأنّ موضوع المعرفة لا يوجد خارج وعي الذات المركّز عليها.. وهذا، نصادفه في فلسفة [سارتر] (الوجودية) عندما يقول إنّ [حقيقة الإنسان هو ما يفعله لا ما يقوله]؛ فالنتائج المترتّبة مثلا عن سياسة مسؤول، نراها واضحةً وجليةً في المجتمع إيجابية كانت أو سلبية، هي حقيقة ذاك المسؤول، ولا حقيقة أخرى خلْفها على الإطلاق..
فحقيقة هؤلاء الوزراء الأربعين في حكومة [العثماني] هو ما نراه عَيْن اليقين في نتائج سياستهم في هذا الوطن العزيز.. فالاحتجاجات، والاحتقان الاجتماعي، وضربُ الحقوق المكتسبة منذ رحيل الاستعمار، والتّذبذب الأخلاقي، والسّرقات، وتبذير أموال الأمة بلا حسيب أو رقيب، وانهيار المؤسسات، وبروز منظّمات الدّمار الشامل، وتعثُّر منظومة التربية والتعليم التي يشرف على (إصلاحها) السماسرة، والتجارُ، وسقوط الاقتصاد في أيدي عبدة المال، وامتلاء البرلمان بالجهلة، وأصحاب المصالح الشخصية (من تقاعُد وتعدّد التعويضات) ثم السّفريات على حساب خزينة الشعب، إلى جانب الصّعوبات التي تهزّ كلّ مرّة وحين قضيةَ وحْدتنا الترابية لغياب الكفاءات، والديبلوماسيين الحذقين في المفاوضات، وقائمة الفشل والإخفاقات هي حقيقة هؤلاء القوم، المنقضّين على رقبة هذا الشعب، منذ سنين خلتْ..
وهكذا؛ سيّدي القارئ الكريم، ترى أنه لا حقيقة أخرى وراء المعطى الظاهري للأشياء؛ فالحقيقة هو ما تراه، وتلمسه، وتعانيه من جرّاء سياسة مسؤولين كذَبة، وأحزاب ليس لها من الحزبية إلاّ الاسم، ومؤسسات منخورة من الداخل، ولا ترى منها إلا الشكل المعماري الخادع، وبرلمان يعجّ بالعوام؛ والعوامُّ كما يقول (الإمام مالك)، إذا اجتمعوا، أفسدوا؛ ويكفي أن نذكّر بخُطبِ جلالة الملك نصره الله الذي يضع كلّ سنة بين أيدي النواب أخطاءَهم، وفشلهم، ونفاقهم، ولكنّهم لا يتّعظون، لأنهم لا كرامة لهم، ولا وطنية؛ بل أذلّتهم المصلحة، وصار المالُ دينهم.. ثم ما قولُكَ في كثرة الأحزاب وتناسلِها؟ هل رأيتَ ولو حزبًا واحدًا له مقوّمات الحزب؟ هل رأيتَ (زعيمًا) واحدًا له وزْن، وشخصيةٌ، وتكوين سياسي جيّد نفاخر به في الدّاخل والخارج؟ هل رأيتَ لنا ديبلوماسيا واحدا يملأ العين، وهو وسط ديبلوماسيين غربيين، خُطَبُه تشدّ أنظار الناس، ودلائلُه تشدّ الأنفاس في المحافل الدولية؟ لقد كان (العثماني) وزيرًا للخارجية، وكان من أكبر الفاشلين الذين عرفهم المغربُ في الميدان؛ ومع ذلك كافأناه على فشله، وأصبح رئيسًا للحكومة، وكمْ من وزير عُزِل، وبعْد حين تجده رئيسَ منظّمة أو جمعية أو.. ثمّ آخر، رغم أنه رشي عودُه، وقوّس ظهره، فتجده رئيسَ مجلس في جهة ما؛ ولهذا تراهم يتبادلون الأدوارَ في دوائر مغلقة، وكأنّ في المغرب لا يوجد غيرُهم، وهم بذلك، يضعون جدارًا عاليا أمام الكفاءات من أبناء الشعب، ولهم جنسياتٌ عديدة كأحزمة سلامة..
بقي المجلس العلمي الأعلى الذي لا دور له ولا أثر له في هذا المجتمع.. ترى أتباعَ منظّمات الهدم ينادون بتحرير المناكر، وإباحة الشّذوذ، واغتصاب الأطفال، والطفلات، دون الخامسة من العمر، وترى الفاسقين ينادون بإلغاء حكم الإعدام، وتعديل الإرث بالنسبة للمرأة، ويُلحّون على أنّ المرأةَ حرة في أن تهب جسدَها لمن تشاء، ومع ذلك ما رأينا أو سمعنا هذا المجلسَ، يصدر بيانًا في كل هذه القضايا التي خلْفها منظماتٌ هدّامة لها خدّام، وعبيد، في داخل الوطن.. لقد أمسى الدّينُ مجرّدَ ثقافة بالمعنى الأنطروبولوجي، ولم يعُدْ كلامَ الرّب، ولم يعُدْ ثوابتَ وقيمًا، وإلاّ بماذا تفسّر صمْتَ العلماء، وكأن هذه القضايا الخطيرة لا تعنيهم؛ بل الذي يعني العلماءَ ويهمّهم بالدرجة الأولى، هو ما يهمّ كذلك النواب، والوزراء، وهي التعويضات الشهرية والامتيازات.. فلو كان لنا علماء أكفاء، لهم خطابٌ علمي مؤثّر، ومقنع، لما تفوّق عليهم علماءُ الإرهاب والظّلامية.. فحقيقة هؤلاء، هو ما تراه، وليس هناك حقيقة أخرى خلْف ما نراه.
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|