|
|
أفلا تتعظون من زلزال الريف؟ !
أضيف في 23 دجنبر 2017 الساعة 42 : 19
أفلا تتعظون من زلزال الريف؟ !
كثيرة هي الأمثال القديمة التي تكاد تنطبق على ما يجري اليوم ببلادنا من أحداث. وفي هذا السياق يصدق المثل القائل: "كم من نقمة في طيها نعمة" على "حراك الريف" وتداعياته السلبية والإيجابية.
فقد عرفت منطقة الريف حراكا شعبيا، انطلقت شرارته الأولى بمدينة الحسيمة بعد المصرع الرهيب لبائع السمك الشهيد محسن فكري، إثر محاولته استرجاع بضاعته المصادرة من قلب شاحنة لطحن الأزبال في 28 أكتوبر 2016، حيث خرجت الساكنة بشكل عفوي، منددة بالجريمة النكراء التي هزت مشاعر المغاربة، ومطالبة بفتح تحقيق عاجل ونزيه لمعرفة الفاعلين الحقيقيين وتقديمهم للمحاكمة.
بيد أنه في ظل لامبالاة المسؤولين بالاحتجاجات السلمية، كان طبيعيا أن تكبر كرة الثلج لتشمل كل القرى الريفية وجميع المدن المغربية، وتصبح المطالب ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وثقافية... ورفض المتظاهرين استمرار منطقتهم عرضة للتهميش والإقصاء والإهانة وال"حكرة"... وبعد مرور زهاء نصف سنة على ظهور الأزمة، تفاقمت الأوضاع ولم تجد السلطات أمامها من مخرج عدا اللجوء إلى المقاربة الأمنية عوض الحوار الهادئ والمثمر، فتعددت أشكال "النضال" والمواجهات العنيفة.
وكما خلف الحراك أضرارا بليغة تمثلت في إتلاف ممتلكات عامة وخاصة، موت أحد النشطاء متأثرا بجروحه وإصابات متفاوتة الخطورة في الاصطدامات الدامية بين رجال الأمن والمتظاهرين، واعتقال ومحاكمة ما لايقل عن 400 شخصا بمن فيهم قائد الحراك ناصر الزفزافي، ومعاناة أسرهم... فإنه في المقابل كشف عن اختلالات طالت مجموعة من المشاريع التنموية، وعصفت بعدة رؤوس خارج مربع السلطة، بعدما أظهرت التحقيقات أن تأخر إنجاز البرنامج الضخم "الحسيمة منارة المتوسط" مدة 16 شهرا على توقيع اتفاقياته تحت إشراف الملك محمد الساس، يعود إلى التقصير في القيام بالواجب.
وبالعودة إلى الخطب الملكية السامية، فإننا سنجدها حافلة بالتعليمات والتوجيهات الداعية إلى تفعيل الحكامة وإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد، لبلوغ الغايات التي من شأنها تلبية انتظارات المواطنين وتحقيق آمالهم وأحلامهم في التنمية الشاملة، والاستجابة لمطالبهم الملحة والعادلة، عبر تقليص معدلات الفقر والأمية والبطالة والرفع من جودة الخدمات الاجتماعية... واستكمال بناء مجتمع ديمقراطي حداثي. لاسيما أن تحقيق اللحاق بركب الدول الصاعدة، يستدعي تضافر جهود الجميع لإصلاح منظومة التعليم والصحة وقانون الانتخابات والقضاء والإدارة وتخليق الحياة العامة...
ولأن أزمة الريف استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني والدولي، وحظيت بمتابعة إعلامية واسعة، وكادت تطوراتها أن تلحق ضررا كبيرا باستقرار وأمن البلاد، ولأن التوجيهات الملكية السامية ظلت بغير ذات جدوى لدى المسؤولين، فقد أصر الملك على القطع مع زمن التساهل والدخول في منعطف جديد وحاسم، عنوانه الأبرز "ربط المسؤولية بالمحاسبة". حيث أشار يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017 في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية، إلى أنه جد حريص على أن ترافق نقده معالجة الأوضاع وتقويم الاختلالات، خاصة بعدما تبينت له الصعوبات التي تحول دون تطور النموذج التنموي، سواء في الإدارة أو المجالس المنتخبة والجماعات الترابية. وأوضح بأنه في غياب الحزم والمساءلة، يتعذر إحداث التغيير وإعطاء العبرة لمن يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
وبصفته الضامن لدولة القانون والساهر على احترامه، أكد على عدم تردده في محاسبة من ثبت تقصيره في الاضطلاع بمسؤوليته المهنية أو الوطنية، كيف لا والوضع القائم بات يفرض المزيد من
الحزم والصرامة، للقطع مع التقاعس والاستهتار بمصالح المواطنين؟ ألم يسبق أن انتقد بشدة النخب السياسية، وأفصح عن فقدانه الثقة في بعضهم بقوله: "كفى. اتقوا الله في وطنكم، إما اعملوا أو انسحبوا"؟
لذلك لم يتأخر كثيرا ما توعده من "زلزال سياسي"، حيث تم الإعلان يوم 24 أكتوبر 2017 عن التدابير والعقوبات التي همت عددا من الوزراء والمسؤولين السامين، بناء على تقارير المفتشيتين العامتين للإدارة الترابية والمالية والمجلس الأعلى للحسابات حول برنامج الحسيمة التنموي. إذ أعفي أربعة وزراء في الحكومة الحالية ومدير عام لمكتب وطني، وتبليغ عدم الرضا الملكي عن خمسة وزراء في الحكومة السابقة لإخلالهم بثقته وعدم تحمل مسؤوليتهم، وحرمانهم من أي مسؤولية رسمية مستقبلا، وتكليف رئيس الحكومة العثماني باتخاذ ما يلزم من تدابير في حق 14 مسؤولا آخرين.
ولعل ما يجسد قوة "الزلزال السياسي" غير المسبوق، ليس فقط عدد الشخصيات الوازنة المعزولة، بل كذلك ارتداداته المتلاحقة عبر عمليات افتحاص المجلس الأعلى للحسابات وتحقيقات وزارة الداخلية حول مجموعة من المشاريع المتعثرة أو التي فضحتها الاحتجاجات الشعبية في مختلف المدن، ومن بينها ندرة الماء بزاكورة وفاجعة سيدي بولعلام بالصويرة... وبمقترحات وإجراءات تأديبية لأم الوزارات حول تقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار، تمت الإطاحة بشخصيات كانت تعتقد نفسها في منأى عن أي محاسبة، حدد قائمتها في 180 رجل سلطة، ضمت واليا وعمالا وكتاب عامين وباشوات وقيادا... لنمر من المسؤولية السياسية إلى الحياة الإدارية، وتتخطى الجزاءات المفهوم التقليدي المنحصر في الخروقات المالية، إلى التقصير أيضا في أداء الواجب أو التملص من المسؤولية...
وإذ نشيد بالإرادة الملكية الصادقة في طي مرحلة التسامح مع المفسدين والمتهاونين، فإننا نأمل أن يواكبها تطوير العقليات، ومضاعفة جهود الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، وانعكاس التطور السياسي والتنموي على تعاملهم مع هموم وقضايا المواطنين الحقيقية. وأن تكون هذه الرجة القوية مقدمة لإنهاء أزمة الريف وترسيخ أجواء الثقة والسكينة والطمأنينة، والتأسيس لمغرب جديد، مغرب النماء والرخاء، يتسم فيه المسؤولون بروح المواطنة والحس بالمسؤولية...
اسماعيل الحلوتي
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|